سورة النور - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{لقد أنزلنا آيات مبينات} يعني القرآن هو المبين للهدى والأحكام والحلال والحرام {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} يعني إلى دين الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته. قوله تعالى: {ويقولون} يعني المنافقين {آمنا بالله وبالرسول وأطعنا} أي يقولونه: بألسنتهم من غير اعتقاد {ثم يتولى فريق منهم} أي يعرض على طاعة الله ورسوله {من بعد ذلك} أي من بعد قولهم آمناً، ويدعو إلى غير حكم الله قال الله تعالى: {وما أولئك بالمؤمنين} نزلت هذه الآية في بشر المنافق، كان بينه وبين يهودي خصومة في أرض، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقال المنافق بل نتحاكم إلى كعب بن الأشرف فإن محمداً يحيف فأنزل الله هذه الآية: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم} أي الرسول يحكم بحكم الله بينهم {إذا فريق منهم معرضون} يعني عن الحكم وقيل عن الإجابة {وإن لم يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} أي مطيعين منقادين لحكمه أي إذا كان الحكم لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم أنه، كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضاً {في قلوبهم مرض} أي كفر ونفاق {أم ارتابوا} أي شكوا وهذا استفهام ذم وتوبيخ والمعنى هم كذلك {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله} أي بظلم {بل أولئك هم الظالمون} أي لأنفسهم بإعراضهم عن الحق. قوله عز وجل: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله} أي إلى كتاب الله {ورسوله ليحكم بينهم} هذا تعليم أدب الشرع على أي من هذه صفته {هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله} قال ابن عباس فيما ساءه وسره {ويخش الله} أي على ما عمل من الذنوب {ويتقه} أي فيما بعد {فأولئك هم الفائزون} يعني الناجون.
قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} قيل: جهد اليمين أن يحلف بالله ولا يزيد على ذلك شيئاً {لئن أمرتهم ليخرجن} وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا، ولئن أقمت أقمنا، ولئن أمرتنا بالجهاد جاهدنا وقيل لما نزل بيان كراهتهم لحكم الله ورسوله قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا، وأموالنا ونسائنا لخرجنا، فكيف لا نرضى بحكمك فقال الله تعالى: {قل} لهم {لا تقسموا} يعني لا تحلفوا، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال {طاعة معروفة} يعني هذه طاعة القول باللسان دون الاعتقاد بالقلب، هي معروفة يعني أمر عرف منكم أنكم تكذبون، وتقولون ما لا تفعلون وقيل: معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل {إن الله خبير بما تعلمون} يعني من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} يعني بقلوبكم وصدق نياتكم {فإن تولوا} يعني أعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فإنما عليه} أي على الرسول {ما حمل} أي ما كلف وأمر به من تبليغ الرسالة {وعليكم ما حملتم} أي ما كلفتم من الإجابة والطاعة {وإن تطيعوه تهتدوا} أي تصيبوا الحق والرشد في طاعته {وما على الرسل إلا البلاغ المبين} أي التبليغ الواضح البين.
قوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} قيل مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين مع أصحابه، وأمروا بالصبر على أذى الكفار فكانوا يصبحون ويمسون خائفين ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة وأمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم: سلاحه فقال رجل منهم أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فأنزل الله هذه الآية، ومعنى ليستخلفنهم والله ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم، فجعلهم ملوكها وساستها وسكانها {كما استخلف الذين من قبلهم} أي كما استخلف داوُد وسليمان وغيرهما من الأنبياء، وكما استخلف بني إسرائيل وأهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى} أي اختاره {لهم} قال ابن عباس يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم على سائر الأديان {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبد ونني} آمنين {لا يشركون بي شيئاً} فأنجز الله وعده وأظهر دينه ونصر أولياءه وأبدلهم بعد الخوف أمناً وبسطاً في الأرض.
(خ) عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عندي النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال: «يا عدي هل رأيت الحيرة قلت: لم أرها ولقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترحل عن الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي، فإين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم القيامة، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم فليقولن ألم أبعث إليك رسولاً، فيبلغك فيقول بلى يا رب، ألم أعطك مالاً وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم» قال عدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة» قال عدي: فرأيت الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلى الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج الرجل ملء كفه ذهباً إلخ.
وفي الآية دليل على صحة خلافة أبي بكر الصديق والخلفاء الراشدين بعده، لأن في أيامهم كانت الفتوحات العظيمة وفتحت كنوز كسرى غيره من الملوك، وحصل الأمن والتمكين وظهور الدين عن سفينة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً» ثم قال: أمسك خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة وعلي ستاً قال علي: قلت لحماد القائل لسعيد أمسك سفينة قال نعم أخرجه أبو داود والترمذي بنحو هذا اللفظ. قلت: كذا ورد هذا الحديث بهذا التفصيل، وفيه إجمال وتفصيله أن خلافة أبي بكر كانت سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر كانت عشر سنين وستة أشهر وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة كما ذكر في الحديث، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر ولهذا جاء في بعض روايات الحديث على كذا، ولم يبين تعيين مدته فعلى هذا التفصيل تكون مدة خلافة الأئمة الأربعة تسعة وعشرين سنة وستة أشهر، وكملت ثلاثين سنة بخلافة الحسن كانت ستة أشهر ثم نزل عنها والله أعلم، وقوله تعالى: {ومن كفر بعد ذلك} أراد به كفران النعمة ولم يرد الكفران بالله {فأولئك هم الفاسقون} أي العاصون قال أهل التفسير: أو من كفر بهذه النعمة وجحد حقها الذين قتلوا عثمان، فلما قتلوه غير الله الله مابهم وأدخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتلون بعد أن كانوا إخواناً. عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال: لما أريد قتل عثمان جاء عبد الله بن سلام فقال عثمان: ما جاء بك قال: جئت في نصرك قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارجاً خير لي منك داخلاً، فخرج عبد الله إلى الناس فقال: أيّها الناس إن لله سيفاً مغموداً وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه فوالله إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن الله سيفه المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة قالوا: اقتلوا اليهودي واقتلوا عثمان أخرجه الترمذي زاد في رواية غير الترمذي فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفاً، ولا خليفة إلا قتل به خسمة وثلاثون ألفاً.


قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} أي افعلوا هذه الأشياء على رجاء الرحمة {لا تحسبن الذي كفروا معجزين} أي فائتين عنا {في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} قال ابن عباس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته عند ذلك فأنزل الله هذه الآية وقيل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنا خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} واللام لام الأمر وفيه قولان أحدهما: أنه على الندب والاستحباب والثاني: أنه على الوجوب وهو الأولى الذين ملكت أيمانكم يعني العبيد والإماء {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} يعني الأحرار وليس المراد منهم الذين لم يظهروا على عورات النساء، بل المراد الذين عرفوا أمر النساء ولكنهم لم يبلغوا الحلم وهو سن التمييز والعقل وغيرهما، واتفق العلماء على أن الاحتلام بلوغ واختلفوا فيما إذا بلغ خمس عشرة سنة، ولم يحتلم فقال أبو حنيفة لا يكون بالغاً حتى يبلغ ثمان عشرة سنة ويستكملها والجارية سبع عشرة سنة وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في الغلام والجارية بخمسة عشرة سنة يصير مكلفاً، وتجري عليه الأحكام وإن لم يحتلم {ثلاث مرات} أي ليستأذنوا في ثلاثة أوقات {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} أي وقت المقيل {ومن بعد صلاة العشاء} وإنما خص هذه الثلاثة الأوقات، لأنها ساعات الخلوات ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يجوز أن يراه أحد من العبيد والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات وغير العبيد والصبيان يستأذن في جميع الأوقات {ثلاث عورات لكم} سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدوا عورته {ليس عليكم ولا عليهم} يعني العبيد والخدم والصبيان {جناح} أي حرج في الدخول عليكم بغير استئذان {بعدهن} أي بعد هذه الأوقات الثلاثة {طوافون عليكم} أي العبيد والخدم يترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالكم بغير أذن {بعضكم على بعض} أي يطوف بعضكم على بعض {كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم} اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقيل: إنها منسوخة حكي ذلك عن سعيد بن المسيب، روى عكرمة أن نفراً من أهل العراق قالوا يا ابن العباس كيف ترى في هذه ا لآية التي أمرنا بها، ولا يعمل بها أحد قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت إيمانكم} الآية فقال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجاب فربما دخل الخدم أو الولد أو يتيم الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير فلم أرد أحداً يعمل بذلك بعد، أخرجه أبو داود في رواية عنه نحوه وزاد فرأيي أن ذلك أغنى عن الاستئذان في تلك العورات، وذهب قوم إلى أنها غير منسوخه روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت الشعبي عن هذه الآية ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم أمنسوخة هي؟ قال: لا والله قلت إن الناس لا يعملون بها قال الله تعالى المستعان وقال سعيد بن جبير في هذه الآية أن ناساً يقولون: نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس قيل ثلاث آيات ترك الناس العمل بهن هذه الآية وقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والناس يقولون أعظمكم بيتاً {وإذا حضر القسمة أولو القربى} الآية.


وقوله عزّ وجلّ: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} أي الاحتلام يريد الأحرار الذين بلغوا {فليستأذنوا} أي يستأذنوا في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كما استأذن الذين من قبلكم} أي الأحرار الكبار {كذلك يبين الله لكم آياته} أي دلالته وقيل أحكامه {والله عليم} أي بأمور خلقه {حكيم} بما دبر وشرع قال سعيد بن المسيب: يستأذن الرجل على أمه فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك، وسئل حذيفة أيستأذن الرجل على والدته قال نعم إن لم تفعل رأيت منها ما تكره قوله: {والقواعد من النساء} يعني اللاتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر فلا يلدن ولا يحضن {اللاتي لا يرجون نكاحاً} أي لا يردن الأزواج لكبرهن، وقيل: هن العجائز اللواتي إذا رآهن الرجال استقذروهن فأما من كانت فيها بقية جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في حكم هذه الآية: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} أي عند الرجال والمعنى بعض يثابهن وهو الجلباب والرداء الذي فوق الثياب، والقناع الذي فوق الخمار فأما الخمار فلا يجوز وضعه {غير متبرجات بزينة} أي من غير أن يردن وضع الجلباب والرداء إظهار زينتهن. والتبرج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما يجب عليها أن تستره {وأن يستعففن} أي فلا يلقين الجلباب ولا الرداء {خير لهن والله سميع عليم} قوله عز وجل: {ليس على الأعمى حرج} اختلف العلماء في هذه الآية فقال ابن عباس: لما أنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى، الزمنى والعمى والعرج وقالوا الطعام أفضل الأموال وقد نهانا الله عز وجل عن أكل الأموال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفى من الطعام حقه فأنزل الله هذه الآية فعلى هذا التأويل يكون على بمعنى في أي ليس في الأعمى، والمعنى ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والمريض والأعرج حرج وقيل كان العميان والعرجان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يقذرونهم ويكرهون مؤاكلتهم، وكان الأعمى يقول ربما آكل أكثر من ذلك ويقول الأعرج والأعمى ربما أجلس مكان اثنين فنزلت هذه الآية، وقيل: نزلت ترخيصاً لهؤلاء في الأكل من بيوت من سماهم الله في باقي الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل في طلب الطعام فإذا لم يكن عنده شيء، ذهب بهم إلى بيت أبيه أو بيت أمه أو بعض من سمى الله تعالى فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك ويقولون ذهب بنا إلى غير بيته فأنزل الله هذه الآية وقيل: كان المسلمون إذا غزوا دفعوا مفاتيح بيوتهم إلى الزمنى ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وأصحابها غيب فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم وقيل نزلت رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد فعلى هذا تم الكلام عند قوله: {ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} وقوله تعالى: {ولا على أنفسكم} كلام مستأنف قيل لما نزلت {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قالوا: لا يحل لأحد منا أن يأكل من أحد فأنزل الله تعالى: {ولا على أنفسكم} {أن تأكلوا من بيوتكم} أي لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم، قيل أراد من أموال عيالكم وبيوت أزواجكم لأن بيت المرأة كبيت الزوج، وقيل بيوت أولادكم ونسب بيوت الأولاد إلى الآباء لما جاء في الحديث: «أنت ومالك لأبيك» {أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه} قال ابن عباس: عني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته ماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمرة ضيعته، ويشرب من لبن ماشيته ولا يحمل ولا يدخر، وقيل يعني بيوت عبيدكم ومماليككم، وذلك أن السيد يملك منزل عبد ه، والمفاتح الخزائن ويجوز أن يكون المفتاح الذي يفتح به، وإذ ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يأكل الشيء اليسير، وقيل: ما ملكتم مفتاحه أي ماخزنتموه عندكم ما ملكتموه {أو صديقكم} الصديق هو الذي صدقك في المودة؛ قال ابن عباس نزلت في الحارث بن عمرو خرج غازياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله فقال: تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى أنه ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا من غير أن تتزودوا وتحملوا {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً} نزلت في بني ليث بن عمرو، وهم حي من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفاً يأكل معه فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، ربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يأتي من يشاربه، فإذا أمسى ولم يجد أحداً أكل وقال ابن عباس: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه فيقول: والله إني لأجنح أي أتحرج أن آكل معك، وأنا غني وأنت فقير فنزلت هذه الآية وقيل: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا أنزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا جميعاً، أي مجتمعين أو أشتاتاً أي متفرقين {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} أي ليسلم بعضكم على بعض هذا في دخول الرجل بيت نفسه يسلم على أهله، ومن في بيته قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه، وإذا دخلت بيتاً ليس في أحد فقل السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته، حدثنا أن الملائكة ترد عليه وقال ابن عباس إذا لم يكن في البيت أحد، فيلقل السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام على أهل البيت ورحمة الله وبركاته وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} قال: إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين {تحية من عند الله مباركة طيبة} قال ابن عباس حسنة جميلة وقيل ذكر البركة والطيب ها هنا لما فيه من الثواب والأجر {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} أي عن الله أمره ونهيه وآدابه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7